موضوعات حديثة
  • مساواة الرجال والنساء

    عندما تحدث حضرة عبد البهاء أثناء أسفاره في أوروپا وأمريكا وكندا من عام ١٩١٠ إلى ١٩١٣عن المشاكل والتحديات التي يجب على البشرية حلّها قبل أن تأمل في تحقيق الاستقرار والسلام في العالم، ذكر حضرته مشكلة المساواة بين الرجال والنساء التي تمثل في كثير من المجتمعات أزمات تبلغ حدتها إلى درجة تنذر بتصدع الأسرة وبالتالي تهديداً بانهيار كيانها الاجتماعي.

  • التقاليد خلاف الحقيقة

    معرفة الحقيقة المتجددة بالفيض الإلهي الدائم هي غاية الأديان ولا يجوز لمجيئها المتدرج وتناسبها مع قدرات الوعي الإنساني أن تسبب الخلاف والعراك بين المجتمعات البشرية.

  • الحركة دليل الحياة

    عاد حضرة عبد البهاء في شهر ديسمبر / كانون أول ١٩١١ من جولته في لندن وپاريس لقضاء فصل الشتاء في مدينة الأسكندرية والإعداد لسفره في العام التالي الى أمريكا وكندا. واستمر وفود الزائرين والمستفسرين إلى منزله طوال ذلك الشتاء حتى إذا ما حلّ الاعتدال الربيعي كان على استعداد لرحلته، فاستقل حضرته ومرافقيه يوم ٢٥ مارس/آزار […]

  • عودة ربيع الرّوح

    قضى حضرة عبد البهاء شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني ١٩١١ في باريس حيث استمتع أهلها بأحدايثه العامة يومياً، وناقش فيها موضوعات شتى تدور حول المبادئ التي أعلنها حضرة بهاء الله. فتحدث في بداية زيارته هذه يوم ١٥ أكتوبر/تشرين أول ١٩١١عن الدورات الروحانية التي توازي من حيث ضرورتها وانتظامها دورات فصول السنة، ثم تحدث عند نهاية […]

  • الحبّ العميم

    تناول حضرة عبد البهاء أثناء زيارته لمدينة پاريس موضوع الروح في عدد من أحاديثه، سواء من حيث طبيعتها الملكوتية أو من حيث حيوية آثارها في الحياة المادية باعتبارها العامل الرئيس في جمع البشرية في اتحاد إنساني ساهمت كل الأديان السابقة في التمهيد لتحقيقه في هذا العصر الأنور.

موضوعات أخرى بخصوص مئويّة أسفار عبد البهاء >
مئويّة أسفار عبد البهاء

الحبّ العميم

                                                                 عبد البهاء في زيارته لپاريس                           
                                                               باذن من الجامعة البهائية العالمية


قلّما اختلف الناس حول موضوع مثل اختلافهم في شأن الروح, وقد تفاوت فهمهم لأحوالها منذ آلاف السنين، ولا زالت هذه الخلافات إلى اليوم تفرق بين المصادر الرئيسة للمعرفة: الأديان والعلوم والفلسفات. ويمتد هذا الخلاف إلى كل الجوانب التي تمس الروح: من تعريفها إلى دلائل وجودها مروراً بمعالم دورها في الحياة. ولعل ما يلفت النظر أن حضرة عبد البهاء خصّ هذا الموضوع بعدد من خطبه وأحاديثه التي ألقاها في مدينة پاريس أثناء زيارته لها في شهرى أكتوبر/تشرين الأول ونوڤمبر/تشرين الثاني ١٩١١، وعالج في تلك الأحاديث عدة جوانب هامة تقرّب إلى فهم الشخص العادي موضوعاً معقداً ومشكلاً، كما هو الحال في كل ما يتعلق بتأثير الروح في الحياة نظراً لطبيعتها غير المحسوسة وأبعادها الممتدة إلى عوالم الغيب على الرغم من ظهورها الجلي ودورها الأساسي في عالم الشهود.

وقد ركز حضرته في تلك الأحاديث على طبيعة الروح المعنوية, ودورها الجوهري في الحياة المادية بقدر لا يقل عن محوريتها في الحياة الروحانية. فأثار بحث حضرته المستفيض التساؤل عن غاية هذا الوجود المادي والثمرة المتوخاة من ورائه موحيا بدورها الرئيس في تأسيس أكثر مطالب عصرنا إلحاحاً ألا وهو وحدة العالم الإنساني، وبذلك أظهر حضرته الطابع الروحاني لمبدأ وحدة الإنسانية على نحو يبرز اشتراك كل الرسالات السماوية السابقة في تهيئة السبيل لتحقيقه في هذا العصر النوراني.

وبذلك لم يربط عبد البهاء أحاديثه عن الروح في پاريس بأحاديثه عن مبدأ وحدة العالم الإنساني التي بدأها في مدينة لندن فحسب، بل ربط الرسالات السماوية السابقة كلها بهدف تحقيق الوحدة الإنسانية ومتابعة تنفيذها على مراحل متأنية ومتناسبة مع قدرات إدراك الإنسانية ونضج وعيها، لتؤتي أكلها في ميقاتها المحدد من هذا العصر العجاب. وإلى جانب كل ذلك لم يهمل شرح عبد البهاء لخصائص الروح تفنيد حجج المنكرين لوجودها، ولا توانى عن الرد على آراء أنصار الفلسفات المادية في شأنها كما سيأتي تفصيل شرحه في حينه.

ولما كان بلوغ فهم متكامل لهذه الخطب والأحاديث يتطلب جمع عناصرها الأساسية في بحث واحد، فقد استخلص هذا الموقع ما أمكن إدماجه منها في حيز محدود يسهل استيعابه، مستعيناً بأصل هذه الخطب باللغة الفارسية لتنقيح بعض ما سبقت ترجمته إلى اللغة العربية، ولهذا قد يجد القارئ اختلافاً في بعض الألفاظ عن الترجمة السابقة. وكل الأمل أن يفي هذا العمل المتواضع بإيصال خلاصة هذا الموضوع الهام ولو بوجه التقريب إلى زائريه، مع نصح القارئ بالرجوع إلى النصوص الكاملة لهذه الأحاديث استكمالاً للفائدة وتحرياً للحقيقة.

والمعروف عن أتباع الأديان أنهم لا يثيرون جدلاً يذكر حول وجود الروح، أو حول كونها سرّ الحياة وعلّة وجودها، ويسلمون بأنه لا يمكن تصور وجود أي مظهر من مظاهر الحياة في غيابها. ولكن على الرغم من تسليم أتباع الأديان بوجود الروح ودورها الأساسي في بعث الحياة وإزكائها، إلا أنهم لا يلمون بالكثير من شئونها وكيفية عملها وظهور تأثيرها في الوجود عموماً وفي الحياة الإنسانية خصوصاً لعدة أسباب منها: أن نصوص الكتب السماوية في الماضي لم تفصّل من أمر الروح شيئاً كثيراً، بالإضافة إلى عدم توفر الوسائل والمعارف الضرورية للأجيال السابقة من أجل التعرف على عمل قوى غير منظورة خاصة في الزمن الذي استخلص الرعيل الأول من أتباع كل دين لباب المبادئ والمفاهيم الجوهرية التي يقوم عليها دينهم، فعانى تصورهم للروح من أخطاء عديدة لاعتمادهم على الأوهام التي سادت في زمانهم، ثم حازت آراؤهم في نظر الأجيال التالية قداسة تشبه العصمة فتجمدت تلك المبادئ والمفاهيم في صورة تقاليد لم تجرؤ الأجيال التالية على المساس بها.

ولكن ما أن يطرح الباحث هذا الجمود جانباً ويستقل بتفكيره في البحث عن الحقيقة إلاّ ويغنم الكثير مما يأتي مع حرية التنقيب في روائع المستجدات الفكرية التي أنتجها عصر الأنوار وسهّلت الوصول إليها أساليب الفكر المعاصر. ويجد في مجال الروح المدهش عن هيمنتها على كل مظهر من مظاهر الوجود بحيث لا يخلو من ظهورها وبروزها حيّز في العالم المشهود.

فالروح فيض إلهي مشرق على جميع الكائنات مثلها مثل ضرورة إشراق الشمس على كائنات الأرض لكي تنمو وتربو بفيض نورها، إلاّ أن هذا الفيض يظهر في كل مرتبة من مراتب الوجود على مقتضاها، فتأثير شعاع الشمس على الأجسام الصخرية يختلف عن جلوتها في الأجسام الشفافة. فعلى الرغم من أن الشمس واحدة إلا أن ظهورها على الأجسام المختلفة يتمايز بالتنوع، وكذلك شأن الروح فظهورها متنوع على مقتضى كل مرتبة من مراتب الوجود سواء كانت مرتبة جماد أو نبات أو حيوان أو إنسان. والروح لا تُرى بذاتها وإنما تظهر صفاتها وآثارها بانعكاسها على الأشياء. وتنعكس الروح على الأجسام ولا تندمج فيها، ولا تفقد طبيعتها المعنوية أو تتجزأ بتعدد الأجسام بل تظل كلّا متلألئاً من دون التصاق، ساطعة على الأجسام كانعكاس الصور على السطوح المصقولة مثل المرايا.

ويظهر تأثير الروح في عالم الجماد كقوة جاذبة تتماسك بفعلها ذراته ويدوم تركيب بنائه، وذلك هو مظهر الحياة في تلك المرتبة من مراتب الوجود، وإن انقطع سطوع الروح على الأجسام تفتت وتفرقت أجزاؤها وعادت عناصرها إلى حالتها الأولى. وتظهر الروح في مرتبة النبات في قدرته على النموّ وتكثير خلاياه، وتظهر الروح في مرتبة الحيوان بقدرته على الإحساس وتقف من وراء عمل حواسه إلى جانب قدرته على الحركة بإرادته، وهذه هي الروح الحيوانية.

أما في مرتبة الإنسان فللروح تجليات وشئون مدهشة ومحيّرة للعقول، ومن آثار ظهورها الوعي والتفكير بما في ذلك قدرة الإنسان على إدراك ما لا يُرى بواسطة ملاحظاته للظواهر المحسوسة، ومن آيات آثار الروح كشف الإنسان عن خفايا وأسرار أحداث الماضي بعد أن غابت لقرون عديدة في طيات الزمن البعيد، ومن علامات بروزها خلق الإنسان الوسائط والوسائل التي لم يسبق لها وجود أو مثيل، و مع كل ذلك يبقى كنه الروح خافياً على عقله رغم أنه يعمل بقواها التي ميّزت وشرّفت الإنسان بالسيادة على باقي الكائنات. وبما أن بناء جسم الإنسان وأعضائه وترتيب حواسه بصفة عامة مماثلة لبناء أجسام المملكة الحيوانية، فيُعتبر الإنسان من حيث جسمه جزءاً من العالم المادي وخاضعاً لقوانين ونظام الطبيعة المسيطر على الوجود المادي.

ولكن يختلف شأن الإنسان تماماً من حيث قدراته وقواه المعنوية؛ فقد تميّز الإنسان بالعقل كما سبق القول وبقواه المفكرة والمتخيلة والكاشفة والحافظة، وبفضل هذه القوى المعنوية تجلى شرفه على غيره من الكائنات، وتمكن من التغلب على الطبيعة نفسها، فكشف أسرارها وخرق قوانينها وتحدى سلطانها، كما أثبت بخروجه من مدار الأرض وانطلاقه من قوة جاذبيتها مع أن الأرض نفسها لا تستطيع أن تحيد عن مدارها قيد شعرة، وكما دلل بقدرته على استطلاع ما يدور على سطح الكواكب الأخرى في مجموعات خارج المجموعة الشمسية، مع أن الشمس بعظمتها تعجز عن بلوغ تلك المجرات البعيدة. وهناك الكثير من المعجزات التي أتاها الإنسان على خلاف ناموس الطبيعة وتشهد بتفوقه على الطبيعة بما حققه من خوارق الأعمال التي أبدعها عقله.

ويمتاز الإنسان أيضاً على الطبيعة بامتلاكه إرادة توجهه كيفما شاء جسمانياً وفكرياً بينما بقيت الطبيعة محرومة من إرادة ذاتية، وفضلا عن ذلك يمتلك الإنسان شعوراً ووعياً لا وجود لهما في الطبيعة. ونظراً إلى تفوّق الإنسان بهذه الملكات والقدرات على الطبيعة، وطالما كان من المحال أن يتميّز الجزء بخصائص لا وجود لها في الكل أو ينفرد بامتلاك صفات تعوز الكلّ، فلا شك أن ذلك يكفي دليلاً قاطعاً على أن الإنسان ينتمي بقواه المعنوية إلى عالم أسمى من عالم الطبيعة وأعلى منزلة منها.

وهذه مسألة فصّلها عبد البهاء في أحد مكاتيبه باللغة الفارسية*1* بقوله: ”عندما وجه الفلاسفة الإلهيون والعقلاء والعلماء نظرهم إلى هذه الكائنات غير المتناهية لاحظوا أن هذا الكون الأعظم ينتهى إلى عالم الجماد وتنتهى نهاية عالم الجماد إلى عالم النبات وتنتهى نهاية عالم النبات إلى عالم الحيوان وتنتهى نهاية عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، فتكون نتيجة هذا الكون غير المتناهي بعظمته وجلاله هو الإنسان، وهذا الإنسان بعد أيام معدودة يمضيها في هذه النشأة معذباً بالمحن والآلام ينتهى ويتلاشى من دون أثر أو ثمر.

إذا كان الأمر كذلك فيقيناً أن هذا الكون غير المتناهى بجميع كمالاته ينتهي إلى اللّغو والهذيان دون أية نتيجة أو ثمر أو دوام. ومن هذا أيقن الحكماء والفلاسفة أن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك وأن هذا المصنع لما له من عظمة وشوكة محيّرتين للعقول ، وما هو عليه من هذا الكمال لا يمكن أن تنتهي عاقبته إلى هذا الهذيان. فلابد من جود نشأة أخرى.

أمّا سبب عدم إدراكنا لهذه النشأة الأخرى فراجع إلى تباين مرتباتها عن مرتبة النشأة الأولى، فكما يجهل عالم النبات وجود عالم الإنسان لتفاوت مرتبتهما، فكذلك لا علم لنا عن تلك النشأة الكبرى بعد النشأة الإنسانية، ولكن عدم العلم ليس دليلاً على عدم الوجود، لأن عالم الجماد لا علم له بعالم الإنسان ويستحيل عليه إدراكه ولكن عدم إدراكه ليس دليلاً على عدم وجوده. وهناك دلائل عديدة أخرى قاطعة على أن هذا العالم غير المتناهي لا يمكن أن تكون الحياة الإنسانية منتهاه*2*.





Comments are closed.